فصل: ومن باب كراهية تمني لقاء العدو:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب من قال لا يحلب:

قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحلبن أحد ماشية أحد بغير إذنه أيحب أحدكم أن يؤتى مشربته فتكسر خزانته فينتثل طعامه فإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعمتَهم فلا يحلبن أحد ماشية أحد إلاّ بإذنه».
المشربة كالعرقة يرفع فيها المتاع والشيء. وقوله ينتثل معناه يستخرج ويقال لما يخرج من تراب البئر إذا حفرت نثيل ومن هذا قولهم نثل الرجل كنانته إذا صبها على الأرض فأخرج ما فيها من النبل.
وفي هذا إثبات القياس والحكم للشيء بحكم نظيره. وفيه دليل على أن الشاة المبيعة إذا كان لها لبن مقدور على حلبه فإن للبن حصة من الثمن. وهذا يؤيد خبر المصراة ويثبت حكمها في تقويم اللبن.
وفيه دليل على أن السارق إذا سرق من الطعام ما يبلغ قيمته ربع دينار قطع. واللبن وغيره من رطب الطعام ويابسه في ذلك سواء إذا أخذه من حرز.

.ومن باب في الطاعة:

قال أبو داود: حدثنا عمرو بن مرزوق أخبرنا شعبة عن زبيد عن سعد بن عبيدة، عَن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشا وأمر عليهم رجلا وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا فأجج نارًا وأمرهم أن يقتحموا فيها فأبى قوم أن يدخلوها فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لو دخلوها لم يزالوا فيها وقال لا طاعة في معصية الله إنما الطاعة في المعروف».
قلت: هذه القصة وما ذكر فيها من شأن النار والوقوع فيها يدل على أن المراد به طاعة الولاة وأنها لا تجب إلاّ في المعروف كالخروج في البعث إذا أمر به الولاة والنفوذ لهم في الأمور التي هي طاعات ومعاون للمسلمين ومصالح لهم. فأما ما كان فيها معصية كقتل النفس المحرمة وما أشبهه فلا طاعة لهم في ذلك.
وقد يفسر قوله: «لا طاعة في معصية» الله تفسيرًا آخر وهو أن الطاعة لا تسلم لصاحبها ولا تخلص إذا كانت مشوبة بالمعصية، وإنما تصح الطاعات مع اجتناب المعاصي.

.ومن باب كراهية تمني لقاء العدو:

قال أبو داود: حدثنا محبوب بن موسى أبو صالح أخبرنا أبو إسحاق الفزاري عن موسى بن عقبة عن سالم أبي النَّضر مولى عمر بن عبيد الله بن معمر وكان كاتبا له، قال: «كتب إليه عبد الله بن أبي أوفى حين خرج إلى الحرورية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أيامه التي لقي فيها العدو، قال يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف، ثم قال اللهم منزل الكتاب مجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم».
قلت: معنى ظلال السيوف الدنو من القرن حتى يعلوه ظل سيفه لا يولي عنه ولا يفر منه وكل شيء دنا منك فقد أظلك كقول الشاعر:
ورنَّقت المنية فهي ظل ** على الأقران دانية الجَناح

.ومن باب ما يدعى عند اللقاء:

قال أبو داود: حدثنا نصر بن علي أخبرني أبي حدثنا المثنى بن سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا قال اللهم أنت عضدي ونصيري بك أحول وبك أصول وبك أقاتل».
قوله: «أحول» معناه احتال قال ابن الأنباري الحَول معناه في كلام العرب الحيلة، يقال ما للرجل حول وماله محالة، قال ومنه قولك لا حول ولا قوة إلاّ بالله أي لا حيلة في دفع سوء ولا قوة في درك خير إلاّ بالله.
وفيه وجه آخر وهو أن يكون معناه المنع والدفع، من قولك حال بين الشيئين إذا منع أحدهما عن الآخر يقول لا أمنع ولا أدفع إلاّ بك.

.ومن باب دعاء المشركين:

قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا ثابت عن أنس «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغير عند صلاة الصبح وكان يستمع فإذا سمع أذانًا أمسك وإلا أغار».
قلت: فيه من الفقه أن إظهار شعار الإسلام في القتال وعند شن الغارة يحقن به الدم وليس كذلك حال السلامة والطمأنينة التي يتسع فيها معرفة الأمور على حقائقها واستيفاء الشروط اللازمة فيها.
وفيه دليل على أن قتال الكفار من غير إحداث الدعوة جائز، وقد ذكرنا اختلاف أهل العلم في ذلك في باب قبل هذا.
وقال الشافعي في هذا الحديث إنما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغير حتى يصبح ليس لتحريم الغارة ليلًا أو نهارا ولا غارين وفي كل حال ولكنه على أن يكون يبصر من معه كيف يغيرون احتياطًا أن يؤتوا من كمين ومن حيث لا يشعرون وقد يختلط أهل الحرب إذا غاروا ليلا فيقتل بعض المسلمين بعضا.
قلت: وقد أغار رسول الله على بني المصطلق وهم غارون وأنعامهم على الماء تسقى، وقد ذكره أبو داود في هذا الباب. وقال لأسامة «أغر على أُبْنا صباحا وحرق» فدل على إباحة البيات والإيقاع بهم وهم غارون. وقال سلمة بن الأكوع «أمّر علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه فغزونا ناسا من المشركين فبيتناهم نقتلهم وكان شعارنا تلك الليلة أمت أمت».

.ومن باب المكر في الحرب:

قال أبو داود: حدثنا محمد بن عبيد حدثنا ابن ثور عن معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد غزوة وَرَّى بغيرها وكان يقول الحرب خَدعة».
قوله: «ورى بغيرها» التورية أن يريد إنسان الشيء فيظهر غيره.
وقوله: «الحرب خدعة» معناه إباحة الخداع في الحرب وإن كان محظورا في غيرها من الأمور، وهذا الحرف يروى على ثلاثة أوجه خَدْعة بفتح الخاء وسكون الدال، وخُدْعة بضم الخاء وسكون الدال، وخُدَعة الخاء مضمومة والدال منصوبة وأصوبها خَدْعة بفتح الخاء. أخبرني أبو رجاء الغنوي، عَن أبي العباس أحمد بن يحيى، قال خدعة بفتح الخاء بلغنا أنها لغة النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت: معنى الخدعة أنها هي مرة واحدة أي إذا خُدع المقاتل مرة واحدة لم يكن له إقالة، ومن قال خُدْعة أراد الاسم كما يقال هذه لعبة، ومن قال خُدَعة بفتح الدال كان معناه أنها تخدع الرجال وتمنيهم ثم لا تفي لهم كما يقال رجل لعبه إذا كان كثير التلعب بالأشياء.

.ومن باب لزوم الساقة:

قال أبو داود: حدثنا الحسن بن شَوكر حدثنا إسماعيل بن علية حدثنا الحجاج بن أبي عثمان، عَن أبي الزبير أن جابر بن عبد الله حدثهم قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلف في المسير فيزجي الضعيف ويردف ويدعو لهم».
قوله: «يزجي» أي يسوق بهم، يقال أزجيت المطية إذا حثثتها في السوق.

.ومن باب على ما يقاتل المشركون:

قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي وعثمان بن أبي شيبة المعنى قالا: حَدَّثنا يعلى بن عبيد عن الأعمش، عَن أبي ظبيان حدثنا أسامة بن زيد قال: «بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى الحُرَقات فنذروا بنا فهربوا فأدركنا رجلًا فلما غشيناه قال لا إله إلاّ الله فضربناه حتى قتلناه فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم فقال من لك بلا إلّه إلاّ الله يوم القيامة فقلت يا رسول الله إنما قالها مخافة السلاح، قال أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم من أجل ذلك قالها أم لا. من لك بلا إلّه إلاّ الله يوم القيامة فما زال يقولها حتى وددت أني لم أسلم إلاّ يومئذٍ».
فيه من الفقه أن الكافر إذا تكلم بالشهادة وإن لم يصف الأيمان وجب الكف عنه والوقوف عن قتله سواء كان بعد القدرة عليه أو قبلها.
وفي قوله: «هلا شققت عن قلبه» دليل على أن الحكم إنما يجري على الظاهر وإن السرائر موكولة إلى الله سبحانه.
وفيه أنه لم يُلزمه مع إنكاره عليه الدية، ويشبه أن يكون المعنى فيه أن أصل دماء الكفار الإباحة، وكان عند أسامة أنه إنما تكلم بكلمة التوحيد مستعيذا من القتل لا مصدقا به فقتله على أنه كافر مباح الدم فلم تلزمه الدية إذ كان في الأصل مأمورا بقتاله والخطأ عن المجتهد موضوع.
ويحتمل أن يكون قد تأول فيه قول الله: {فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا} [غافر: 85] وقوله في قصة فرعون: {الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين} [يونس: 91] فلم يخلصهم إظهار الإيمان عند الضرورة والإرهاق من نزول العقوبة بساحتهم ووقوع بأسه بهم.
قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن ابن شهاب عن عطاء بن زيد الليثي عن عبيد الله بن عدي بن الخيار عن المقداد بن الأسود أنه أخبره أنه قال: «يا رسول الله أرأيت أن لقيت رجلا من الكفار يقاتلني فضرب إحدى يدي بالسيف ثم لاذ مني بشجرة فقال أسلمت لله أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقتله فقلت يا رسول الله إنه قطع يدي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال».
قلت: الخوارج ومن يذهب مذاهبهم في التكفير بالكبائر يتأولونه على أنه بمنزلته في الكفر. وهذا تأويل فاسد وإنما وجهه أنه جعله بمنزلته في إباحة الدم لأن الكافر قبل أن يسلم مباح الدم بحق الدين فإذا أسلم فقتله قاتل فإن قاتله مباح الدم بحق القصاص.
قال أبو داود: حدثنا هناد بن السري حدثنا أبو معاوية عن إسماعيل عن قيس عن جرير بن عبد الله قال: «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى خثعم فاعتصم ناس منهم بالسجود فأسرع فيهم القتل، قال فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأمر لهم بنصف العقل وقال أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين قالوا يا رسول الله لِمَ قال لا ترايا ناراهما».
قلت: إنما أمر لهم بنصف العقل ولم يكمل لهم الدية بعد علمه بإسلامهم لأنهم قد أعانوا على أنفسهم بمقامهم بين ظهراني الكفار فكانوا كمن هلك بجناية نفسه وجناية غيره فسقط حصة جنايته من الدية.
وأما اعتصامهم بالسجود فإنه لا يمحص الدلالة على قبول الدين لأن ذلك قد يكون منهم في تعظيم السادة والرؤساء فعذروا لوجود الشبه.
وفيه دليل على أنه إذا كان أسيرا في أيديهم فأمكنه الخلاص والانقلاب منهم لم يحل له المقام معهم وإن حلفوه فحلف لهم أن لا يخرج كان الواجب أن يخرج إلاّ أنه إن كان مكرها على اليمين لم تلزمه الكفارة، وإن كان غير مكره كانت عليه الكفارة عن يمينه. وعلى الوجهين جميعا فعليه الاحتيال للخلاص، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه».
وقوله: «لا ترايا ناراهما» فيه وجوه أحدها معناه لا يستوي حكماهما قاله بعض أهل العلم. وقال بعضهم معناه أن الله قد فرق بين داري الإسلام والكفر فلا يجوز لمسلم أن يساكن الكفار في بلادهم حتى إذا أوقدوا نارًا كان منهم بحيث يراها.
وفيه دلالة على كراهة دخول المسلم دار الحرب للتجارة والمقام فيها أكثر من مدة أربعة أيام.
وفيه وجه ثالث ذكره بعض أهل اللغة قال معناه لا يتسم المسلم بسمة المشرك ولا يتشبه به في هديه وشكله والعرب تقول (ما نار بعيرك أي ما سمته) ومن هذا قولهم (نارها نجارها) يريدون أن ميسمها يدل على كومها وعتقها ومنه قول الشاعر:
حتى سقوا آبالهم بالنار ** والنار قد تشفي من الأوار

يريد أنهم يعرفون الكرام منها بسماتها فيقدمونها في السقي على اللئام.

.ومن باب التولي من الزحف:

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا يزيد بن أبي زياد أن عبد الرحمن بن أبي ليلى حدثه أن عبد الله بن عمر حدثه «أنه كان في سرية من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فجاض الناس جيضة فكنت فيمن جاض فلما فررنا قلنا كيف نصنع وقد فررنا من الزحف وبؤنا بالغضب فقلنا ندخل المدينة فنثبت فيها ونذهب فلا يرانا أحد، قال فدخلنا فقلنا لو عرضنا أنفسنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كان لنا توبة أقمنا وإن كان غير ذلك ذهبنا قال فجلسنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل صلاة الفجر، فلما خرج قمنا إليه فقلنا نحن الفرارون فأقبل إلينا فقال لا بل أنتم العكَّارون قال فدنونا فقبلنا يده فقال أنا فئة المسلمين».
يقال جاض الرجل إذا حاد عن طريقه أو انصرف عن وجهه إلى جهة أخرى.
وقوله: «أنتم العكارون» يريد أنتم العائدون إلى القتال والعاطفون عليه، يقال عَكَرت على الشيء إذا عطفت عليه وانصرفت إليه بعد الذهاب عنه.
وأخبرني ابن الزيبقي حدثنا الكديمي عن الأصمعي؛ قال رأيت أعرابيا يفلي ثيابه فيقتل البراغيث ويترك القمل فقلت لم تصنع هذا قال اقتل الفرسان ثم أعكر على الرجَّالة.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «إنا فئة المسلمين» يمهد بذلك عذرهم وهو تأويل قوله: {أو متحيزا إلى فئة}.

.ومن باب حكم الجاسوس إذا كان مسلما:

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن عمرو وحدثه حسن بن محمد بن علي أخبره عبيد الله بن أبي رافع وكان كاتبًا لعلي بن أبي طالب، قال: سمعت عليًا يقول: «بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها فانطلقنا تتعادى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة فإذا نحن بالظعينة فقلنا هلمي الكتاب فقالت ما عندي من كتاب قلت لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب فأخرجته من عقاصها فأتينا به النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما هذا يا حاطب فقال يا رسول الله لا تعجل عليَّ فإني كنت امرءًا ملصقًا في قريش ولم أكن من أنفسها وإن قريشا لهم بها قرابات يحمون بها أهليهم فأحببت إذ فاتني ذلك أن اتخذ فيهم يدًا يحمون بها قرابتي والله ما كان بي كفر ولا ارتداد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقكم فقال عمر رضي الله عنه دعني اضرب عنق هذا المنافق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شهد بدرًا وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم».
قلت: في هذا الحديث من الفقه إن حكم المتأول في استباحة المحظور عليه خلاف حكم المتعمد لاستحلاله من غير تأويل.
وفيه أنه إذا تعاطى شيئا من المحظور وادعى أمرًا مما يحتمله التأويل كان القول قوله في ذلك وإن كان غالب الظن بخلافه، ألا ترى أن الأمر لما احتمل وأمكن أن يكون كما قال حاطب وأمكن أن يكون كما قاله عمر رضي الله عنه استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم حسن الظن في أمره وقبل ما ادعاه في قوله.
وفيه دليل على أن الجاسوس إذا كان مسلما لم يقتل.
واختلفوا فيما يفعل به من العقوبة فقال أصحاب الرأي في المسلم إذا كتب إلى العدو ودله على عورات المسلمين يوجع عقوبة ويطال حبسه.
وقال الأوزاعي إن كان مسلما عاقبه الإمام عقوبة منكلة وغربه إلى بعض الآفاق في وثاق وإن كان ذميا فقد نقض عهده.
وقال مالك لم أسمع فيه شيئا وأرى فيه اجتهاد الإمام. وقال الشافعي إذا كان هذا من الرجل ذي الهيئة بجهالة كما كان من حاطب بجهالة وكان غير متهم أحببت أن يتجافى عنه وإن كان من غير ذي الهيئة كان للإمام تعزيره.
وفي الحديث من الفقه أيضًا جواز النظر إلى ما ينكشف من النساء لإقامة حد أو إقامة شهادة في إثبات حق إلى ما أشبه ذلك من الأمور.
وفيه دليل على أن من كفر مسلما أو نفقه على سبيل التأويل وكان من أهل الاجتهاد لم تلزمه عقوبة. ألا ترى أن عمر رضي الله عنه قال دعني أضرب عنق هذا المنافق وهو مؤمن قد صدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ادعاه من ذلك ثم لم يعنف عمر فيما قاله. وذلك أن عمر لم يكن منه عدوان في هذا القول على ظاهر حكم الدين إذ كان المنافق هو الذي يظهر نصرة الدين في الظاهر ويبطن نصرة الكفار وكان هذا الصنيع من حاطب شبيها بأفعال المنافقين إلاّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن الله تعالى قد غفر له ما كان منه من ذلك الصنيع وعفا عنه فزال عنه اسم النفاق والله أعلم.